سبب تأجيل الإخوان المسلمون مظاهرات المسجد الحسيني في الأردن يوم الجمعة

في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وتصاعد وتيرة التضامن العربي الشعبي، كانت الأنظار تتجه إلى الأردن، حيث كان من المقرر تنظيم مظاهرات جماهيرية حاشدة يوم الجمعة 18 أبريل 2025، ولكن وعلى غير المتوقع، أعلنت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن تأجيل فعالية “الملتقى الوطني لدعم المقاومة وحماية الوطن”، التي كانت مقررة عند المسجد الحسيني في قلب العاصمة عمّان.

هذا الإعلان أشعل الجدل في الشارع الأردني، وأثار تساؤلات كثيرة حول خلفية القرار، وأسباب تأجيل الفعالية، وهل كانت هناك تعليمات أمنية بالمنع، أم أنه قرار داخلي من الجماعة حرصًا على أمن الوطن؟ .

في هذا المقال، سنتعرف على سبب تأجيل مظاهرات المسجد الحسيني للتضامن مع غزة في الأردن يوم الجمعة، وسنناقش حقيقة منع الأمن الأردني لمظاهرات التضامن مع فلسطين، بناءً على ما توفر من معلومات موثوقة حتى لحظة إعداد هذا التقرير.

إعلان جماعة الإخوان المسلمين تأجيل الفعالية

أعلنت جماعة الإخوان المسلمين في بيان رسمي نشرته يوم الخميس 17 أبريل، تأجيل الملتقى الوطني لدعم المقاومة، والذي كان من المزمع إقامته في ساحة المسجد الحسيني وسط عمّان يوم الجمعة.

جاء هذا القرار في توقيت حساس للغاية، حيث شهدت البلاد خلال الأيام الأخيرة توترًا أمنيًا غير مسبوق، بعد إعلان الأجهزة الأمنية عن إحباط خلية تخريبية مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين، كانت تعمل على تصنيع صواريخ وطائرات مسيّرة لاستخدامها في أعمال تخريب داخل البلاد.

وجاء في البيان:

“نظرًا للأجواء المحتقنة، وحالة التعبئة والتحريض المجتمعي التي سادت خلال الأيام الماضية تجاه الفعاليات المناصرة لغزة، فإننا نعلن عن تأجيل الفعالية المركزية المقررة يوم الجمعة 18/4، ونسأل الله أن يحفظ أردننا وأمنه واستقراره”.

البيان لم يشر صراحة إلى أن هناك منعًا رسميًا من قبل السلطات الأردنية، لكنه ألمح إلى الظروف الأمنية التي تمر بها البلاد، والتي على ما يبدو دفعت الجماعة إلى اتخاذ هذا القرار احترازيًا.

خلفية أمنية معقدة: خلية تصنيع الصواريخ والطائرات المسيرة

قبل أيام من الموعد المحدد للمظاهرات، أعلنت السلطات الأمنية في الأردن عن تفكيك خلية كانت تصنّع صواريخ وطائرات مسيرة، وكان أعضاؤها يخططون لاستخدامها في تنفيذ أعمال داخل الأراضي الأردنية.

في التفاصيل التي نشرتها الجهات الرسمية، تبين أن بعض أفراد الخلية مرتبطون بجماعة الإخوان المسلمين، وأن التحقيقات ما زالت مستمرة، مع تسريب مقاطع فيديو للاعترافات، والتي زادت من حدة الاحتقان الشعبي والرسمي، خصوصًا في ظل الظروف السياسية المتأججة في المنطقة.

وبحسب مصادر إعلامية أردنية، فإن الكشف عن هذه الخلية الأمنية المعقدة خلق مناخًا من التوتر والقلق، مما جعل أي مظاهرات جماهيرية ذات طابع سياسي عرضة للاستغلال أو التحول إلى مواجهات غير محمودة العواقب.

هل منعت السلطات الأردنية مظاهرات الإخوان المسلمون؟

حتى لحظة إعداد هذا المقال، لم يصدر أي قرار رسمي بمنع مظاهرات التضامن مع فلسطين في الأردن، إلا أن الوقائع على الأرض تشير إلى أن هناك توجيهات أمنية واضحة بتقييد بعض المسيرات، خاصة تلك التي تتجه إلى مواقع حساسة مثل محيط السفارة الإسرائيلية في عمان.

وقد أكد شهود عيان وصحفيون محليون أن قوات الأمن أغلقت الطرق المؤدية إلى السفارة في مناسبات سابقة، ومنعت وصول المتظاهرين، كما قامت بتفريق بعض التجمعات التي رُفعت فيها شعارات تتجاوز حدود التضامن مع غزة إلى مطالب سياسية أو انتقادات مباشرة للأجهزة الأمنية.

ردود الفعل الشعبية والرسمية

تفاوتت ردود الفعل حول قرار تأجيل المظاهرة. ففي حين أيد البعض هذا القرار واعتبروه خطوة حكيمة تهدف لحماية الأمن الداخلي في ظل الظروف المتوترة، رأى آخرون أن القرار يعكس ضغوطًا أمنية غير معلنة تمارسها الدولة على القوى السياسية والشعبية.

من جهة أخرى، أكدت جماعة الإخوان المسلمين أنها ستواصل فعالياتها التضامنية مع غزة، لكن في إطار ما تتيحه الظروف الأمنية والقانونية، مشددة على أن دعم المقاومة الفلسطينية واجب وطني وديني.

أما الحكومة الأردنية، فقد شددت على أن أمن الأردن خط أحمر، وأن حرية التعبير مكفولة ضمن الإطار السلمي والقانوني، لكنها لن تسمح بأي محاولة لزعزعة الاستقرار الداخلي، أو استغلال القضية الفلسطينية لأجندات مشبوهة.

التحريض المجتمعي وحالة الاستقطاب

اللافت في الأزمة الحالية هو تصاعد وتيرة الخطاب التحريضي على وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة بعد تسريب أسماء المتهمين في خلية التصنيع، وتوجيه اتهامات سياسية مباشرة لجماعة الإخوان المسلمين.

هذا الخطاب ساهم في خلق أجواء من الشحن المجتمعي، ودفع الجماعة إلى إعادة تقييم موقفها من تنظيم مظاهرة كبيرة وسط العاصمة، في وقت قد يكون فيه أي خطأ مدخلًا لصدامات غير محسوبة.

أبعاد سياسية أعمق: الموقف الأردني من غزة وإسرائيل

لا يمكن فصل قرار التأجيل عن السياق السياسي الإقليمي، فالأردن يقف في موقف حساس بين دعم القضية الفلسطينية تاريخيًا، وبين ضبط الأمن الداخلي وتفادي التوترات.

وقد سمحت السلطات منذ بداية الحرب على غزة بعشرات الوقفات والمسيرات التضامنية، لكنها شددت على أن الهتافات والشعارات يجب أن تكون منضبطة، وأن الجيش والأمن خطوط حمراء.

وفي خطاب لرئيس الوزراء الأردني جعفر حسان، قال:

“مصلحة الأردن فوق كل اعتبار، ولن نسمح لأي جهة أو تنظيم أن يعبث باستقرار الوطن تحت أي شعار كان.”

تأجيل مظاهرات التضامن مع غزة في الأردن لا يعني تراجعًا في دعم الشعب الأردني للقضية الفلسطينية، بل هو انعكاس لحالة أمنية دقيقة تمر بها البلاد، تتطلب وعيًا سياسيًا ومسؤولية مجتمعية.

وفي الوقت الذي تستمر فيه المجازر في غزة، تبقى الساحات العربية، وفي مقدمتها الساحة الأردنية، ميدانًا للتعبير عن الغضب والتضامن، لكن ضمن حدود تضمن أمن المجتمعات واستقرار الدول.

هل ستعود التظاهرات قريبًا؟

ربما، لكن ذلك مرهون بمدى هدوء الأوضاع الأمنية، وحكمة القوى السياسية في إدارة المشهد بعيدًا عن التصعيد غير المحسوب.

محمد علاء

محرر وصحفي متميز يتمتع بخبرة واسعة في صياغة الأخبار وتحريرها بأسلوب شيق ودقيق، يساهم في تقديم محتوى متنوع وموثوق للقراء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى