هل قطع الجيش السوداني رأس مدني في الخرطوم؟ القصة الكاملة وراء الفيديو المثير

بعد انتشار فيديو صادم على مواقع التواصل عن عملية ذبح لمواطن سوداني من عناصر ترتدي زي الجيش السوداني ، وتم تصوير الواقعة والجريمة البشعة أثناء قطع رأس مواطن في الخرطوم، وبدا الجميع في البحث عن صحة تورط الجيش السوداني في الجريمة، يجد الشعب نفسه يوميًا أمام سيلٍ من الأخبار المتداولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بعضها يحمل مشاهد مرعبة قد تكون صحيحة، وأخرى فبركة إعلامية.

خلال الأيام والساعات الأخيرة مساء اليوم الخميس 27 مارس 2025، انتشر خبر صادم بين السودانيين مفاده أن الجيش السوداني قام بـ”قطع رأس مواطن في الخرطوم”، مع تداول مقاطع فيديو توثّق لحظة وقوع جريمة الذبح.

في المقال التالي، سنسلط الضوء على تفاصيل الفيديو المتداول، والموقف الرسمي من الجيش والدعم السريع، وسنجيب عن السؤال المحوري: هل فعلًا قطع الجيش السوداني رأس مواطن في الخرطوم؟ أم أن القصة جزء من حرب إعلامية دموية تُستخدم لتوجيه الرأي العام؟.

حقيقة الفيديو المتداول: من الضحية؟ ومن الجاني؟

تعود جذور هذا الخبر إلى فيديو تم تداوله بشكل واسع على منصات مثل تويتر وفيسبوك وتيك توك، يظهر فيه عدد من الأشخاص يرتدون زيًا عسكريًا يُشبه زي الجيش السوداني، وهم يقطعون رأس رجل داخل أحد شوارع الخرطوم.

وادّعى مروجو الفيديو أن الضحية “مدني بريء”، وأن من قام بالجريمة هم عناصر من الجيش.

لكن التحليل الأوّلي للفيديو، وفقًا لخبراء مختصين في تحليل الوسائط ومتابعة النزاعات الإفريقية، يُظهر تباينات مثيرة للشك.

فبحسب منصة “Conflict Intelligence Team”، فإن المقطع يحمل بعض العلامات التي تربطه بحادثة وقعت في فبراير 2024، حين تم تداول مقاطع لأفراد من الجيش السوداني وهم يحملون رؤوسًا مقطوعة لعناصر من قوات الدعم السريع.

ما يعني أن الفيديو الحالي ربما يكون قد أُعيد استخدامه مع تعليق مختلف، مما يثير احتمالية كبيرة بأنه مُفبرك أو مُحرّف لخدمة أجندة سياسية أو نفسية معيّنة.

هذا الادعاء أثار حالة من الصدمة والرعب بين رواد منصات التواصل الاجتماعي، لاسيما أنه جاء في وقت يشهد السودان فيه واحدة من أعقد أزماته الداخلية منذ سنوات، نتيجة للصراع الدموي بين الجيش وقوات الدعم السريع. ومع تصاعد الجدل، أصبح من الضروري التوقف أمام هذه الرواية وتفكيكها للوقوف على حقيقتها.

ردود الفعل الرسمية: صمت الجيش وتصعيد الدعم السريع

حتى لحظة إعداد هذا المقال، لم يصدر الجيش السوداني أي بيان رسمي ينفي أو يؤكد الواقعة، وهو ما يزيد من تعقيد الموقف ويترك مساحة كبيرة لتأويلات متباينة.

إلا أن قوات الدعم السريع سارعت بإصدار بيان قوي اللهجة بتاريخ 26 مارس 2025، اتهمت فيه الجيش بارتكاب “جرائم ضد المدنيين”، وتحديدًا في العاصمة الخرطوم، وذكرت صراحة “جرائم ذبح وحرق”.

لكن من المعروف أن بيانات الدعم السريع يجب التعامل معها بحذر، خاصة في ظل الحرب الإعلامية الشرسة بين الطرفين، حيث يسعى كل منهما إلى كسب تعاطف الشارع المحلي والمجتمع الدولي.

وفي ظل غياب تقارير محايدة أو توثيق من جهات مستقلة، يبقى بيان الدعم السريع اتهامًا في إطار حرب الروايات المستمرة.

السياق السياسي والعسكري: حرب إعلامية أم حقيقة ميدانية؟

تعيش السودان منذ أبريل 2023 حالة من الانقسام الدموي، إثر الصراع المفتوح بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”، والذي أدى إلى مقتل الآلاف وتشريد الملايين، ودمر البنية التحتية في عدد من المدن السودانية وعلى رأسها الخرطوم.

ومع استمرار المعارك، أصبحت المعلومات القادمة من السودان مشوشة وغير دقيقة، إذ يُستخدم الإعلام بشكل ممنهج كأداة للضغط والتأثير، سواء من خلال بث مشاهد دموية أو التلاعب بالعناوين بهدف تعبئة الرأي العام داخليًا أو خارجيًا.

هل قطع الجيش السوداني رأس مدني في الخرطوم؟

حتى الآن، لا توجد أي جهة موثوقة (محلية أو دولية) أكدت وقوع جريمة قطع رأس مدني على يد الجيش في الخرطوم في مارس 2025.

معظم ما تم تداوله يستند على فيديو غامض، قديم، أو غير واضح الهوية، وتم استخدامه ضمن سياق غير مثبت.

وهنا يُطرح احتمالان رئيسيان:

  • الاحتمال الأول: أن الحادثة واقعة بالفعل، ولكن لم يتم التحقق منها بعد.
  • الاحتمال الثاني (الأكثر ترجيحًا): أن الفيديو قديم ويعود لحادثة تعود لشهر فبراير العام الماضي ، تم اجتزاؤه أو إعادة نشره بطريقة مضللة.

الرسالة الإعلامية: كيف نتعامل مع مثل هذه الأخبار؟

من المهم في أوقات النزاعات والحروب، أن نُحسن التمييز بين الخبر الصحيح والمفبرك، فالفيديوهات والصور قد تُستخدم سلاحًا قاتلًا لا يقل أثره عن البنادق.

على المواطن أن يتحقق من المصدر، ويبحث عن التقارير من الجهات المحايدة، ولا ينجر خلف العناوين الصادمة دون تدقيق.

كما يقع على عاتق المنصات الإخبارية المسؤولية الكاملة في مراجعة المواد المتداولة وعدم المساهمة في نشر الرعب أو إشعال الفتنة.

الادعاءات المتداولة حول قيام الجيش السوداني بقطع رأس مواطن في الخرطوم تبقى في دائرة الشكوك والتحقيق، فمع غياب تقارير رسمية مستقلة توثق الجريمة، وتكرار استخدام مقاطع قديمة في سياقات مختلفة، يبدو أن القصة تحمل في طيّاتها بُعدًا سياسيًا وإعلاميًا كبيرًا.

إن ما يحتاجه السودان الآن ليس فقط كشف الحقيقة، بل إعادة بناء الثقة بين مؤسساته وشعبه، والتوقف عن استخدام الرعب كسلاح في معركة بلا نهاية.

سارة المصري

كاتبة تمتاز بالمرونة والابتكار في تقديم الأخبار والمقالات، مع اهتمام خاص بتقديم المعلومة بشكل حيادي ومثير للاهتمام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى