اعترافات خلية الصواريخ في الأردن: المخطط التخريبي، التدريب في الخارج، وعلاقة الإخوان المسلمين
في واحدة من أكبر القضايا الأمنية التي شهدتها المملكة الأردنية الهاشمية خلال السنوات الأخيرة، كشفت السلطات الأمنية عن تفاصيل اعترافات “اعترافات خلية الصواريخ“، وهي خلية تخريبية متورطة في تصنيع صواريخ وطائرات مسيّرة، وتجنيد شباب أردنيين لخدمة مشروع يُهدد الأمن الوطني.
اللافت في القضية لم يكن فقط ضخامة المخطط، بل الارتباطات التنظيمية التي أظهرتها التحقيقات والاعترافات المصوّرة، حيث أقر عدد من المتهمين بانتمائهم إلى جماعة الإخوان المسلمين، وتلقّي بعضهم تدريبات في لبنان بإشراف جهات تُعتقد بارتباطها بحماس.
في هذا المقال نستعرض أبرز اعترافات المتهمين، طبيعة التدريب، تفاصيل تمويل المشروع، وردّ الإخوان المسلمين، إضافة إلى تداعيات هذه القضية على الداخل الأردني.
بداية الانكشاف: من هم المتهمون؟
قامت دائرة المخابرات العامة الأردنية ببث اعترافات مصوّرة لثمانية من أبرز المتهمين في خلية الصواريخ في الأردن ، وهم:
- عبدالله هشام أحمد عبد الرحمن: المتهم الرئيسي في قضية تصنيع الصواريخ.
- معاذ عبدالحكيم الغانم: شريك رئيسي في تدريب لبنان والتصنيع.
- محسن حسن الغانم: تاجر متورط في تحويل الأموال والدعم اللوجستي.
- خضر عبدالعزيز: قيادي في جماعة الإخوان ورئيس المكتب الإداري لها في الزرقاء.
- مروان الحوامدة وأنس أبو عواد: متورطان في عمليات تجنيد داخل الأردن.
- علي قاسم وعبدالعزيز هارون: متهمان رئيسيان في مشروع تصنيع الطائرات المسيّرة.
الاعترافات: ماذا قال المتهمون؟
تصنيع الصواريخ
أقر المتهم عبدالله هشام أن فكرته بالانضمام إلى المشروع بدأت منذ عام 2021 بعد أن طرح عليه القيادي في الإخوان إبراهيم محمد فكرة تصنيع صواريخ محلية.
سافر مع ابن عمته معاذ الغانم إلى لبنان مرتين، حيث خضعا لتدريبات عملية على الخراطة وتصنيع أجزاء الصواريخ في ورشة فنية سرية، قبل العودة إلى الأردن واستئجار مستودع في الزرقاء لتجميع الهياكل وتوريد المعدات، منها ماكينات CNC.
كما أقر بتورّط خاله محسن الغانم في عمليات التمويل، إذ قام بجلب عشرات الآلاف من الدولارات من الخارج، وإيصالها سرًا إلى عبدالله.
مشروع الطائرات المسيّرة
اعترف علي قاسم وعبدالعزيز هارون، ومعهم المتهم أحمد خليفة، بأنهم خططوا لتصنيع طائرات مسيرة هجومية باستخدام مواد خفيفة، منها الكرتون المقوّى، مستوحين فكرتهم من نماذج استخدمتها أوكرانيا.
كما طُورت فكرة استخدام طائرات من نوع “جلايدرز” خفيفة، وكان الهدف تنفيذ عمليات تجريبية قبل التوسّع في التصنيع.
التجنيد الداخلي
أوضح المتهم خضر عبدالعزيز أنه كان مسؤولًا عن عقد دورات فكرية وأمنية متقدمة لشباب جماعة الإخوان، في الزرقاء، وأضاف أنه كان يُنسق مع القيادات بشأن اختيار العناصر الأكثر ولاءً.
واعترف كل من مروان الحوامدة وأنس أبو عواد بتورطهما في مشروع تجنيد عناصر جديدة لصالح الخلية، وأن أحدهم زُوّد بهاتف مشفر وذاكرة رقمية تحتوي أسماء ومعلومات أمنية حساسة.
دور لبنان في التدريب
أكد المتهمون أن بيروت كانت المحطة الأساسية للتدريب والتوجيه الفني، حيث خضع المتهمان عبدالله ومعاذ لتدريبات في ورشة خراطة يديرها قيادي في التنظيم يُدعى “أبو أحمد”.
تم تأمين الإقامة، وتوفير المعدات، وإجراء اختبارات أمنية، منها فحص “كشف الكذب”، قبل أن يُطلب منهم العودة إلى الأردن لبدء المشروع ميدانيًا.
التمويل: من أين جاءت الأموال؟
وفق اعترافات المتهمين، كان التمويل يأتي عبر ثلاث قنوات رئيسية:
- تحويلات نقدية مباشرة من الخارج عبر وسطاء، خاصة المتهم محسن الغانم.
- دعم مالي من القيادي إبراهيم داخل الأردن.
- دعم لوجستي من بعض الشركات المتواطئة في تسهيل إدخال المعدات.
موقف جماعة الإخوان المسلمين
في بيان رسمي، نفت جماعة الإخوان المسلمين بالأردن أي صلة تنظيمية لها بالخلية أو المتهمين، وقالت إن “ما ورد من اعترافات يتعلق بتصرفات فردية لا تمثل الجماعة”.
وأكدت أنها “ترفض العنف وتؤمن بالحوار والعمل السياسي السلمي”، مشيرة إلى أن الجماعة “جزء أصيل من النسيج الأردني ولا تسعى لزعزعة أمن البلاد”.
لكن التحقيقات أظهرت أن جميع المتهمين المشاركين في المشروع أعضاء فعليون في الجماعة، بعضهم منذ سنوات طويلة.
الخطوات القضائية
أعلنت دائرة المخابرات العامة أن القضايا أُحيلت إلى محكمة أمن الدولة، حيث وُجّهت للموقوفين تهم منها:
- تشكيل عصابة مسلحة بقصد ارتكاب أعمال إرهابية.
- حيازة وتصنيع متفجرات بطريقة غير مشروعة.
- تمويل الإرهاب.
- تجنيد وتدريب أفراد للقيام بأعمال إرهابية.
تكشف اعترافات خلية الصواريخ في الأردن عن خطورة التحركات السرية التي تم التخطيط لها داخل المملكة لسنوات، والتي كانت تهدف بشكل واضح إلى الإضرار بالأمن الوطني وإثارة الفوضى.
وبينما تؤكد الدولة الأردنية على قدرتها الأمنية والاستخبارية العالية في إحباط مثل هذه المخططات، تبقى التساؤلات قائمة حول مستقبل العلاقة بين الدولة وجماعة الإخوان المسلمين، ودور بعض الجهات الإقليمية في زعزعة الاستقرار.
إنه جرس إنذار، ليس فقط للأردن، بل للمنطقة بأكملها، بأن التحديات الأمنية لم تعد تقليدية، بل أصبحت تحمل طابعًا تكنولوجيًا، تنظيميًا، ومتعدد الأذرع.