حل اللواء الثامن: أحمد العودة يسلم السلاح إلى وزارة الدفاع السورية
شهد الجنوب السوري تطورًا عسكريًا وسياسيًا بالغ الأهمية، مع إعلان “اللواء الثامن” بقيادة أحمد العودة رسميًا حلّ نفسه، وتسليم كافة مقدراته العسكرية والبشرية إلى وزارة الدفاع السورية، الإعلان جاء في بيان مصوّر ألقاه الناطق الرسمي باسم اللواء، العقيد محمد الحوراني، في مشهد حمل رمزية كبيرة، إذ يمثل اللواء واحدًا من أبرز التشكيلات العسكرية التي تشكّلت خلال الحرب، وتمتعت بنفوذ واسع في محافظة درعا وريفها.
هذه الخطوة لم تأت بمعزل عن السياق السياسي الأوسع الذي يشهده المشهد السوري، بل تندرج ضمن سلسلة من الاتفاقات التي تسعى القيادة السورية الجديدة، بقيادة الرئيس أحمد الشرع، إلى إبرامها مع مختلف المكونات والفصائل المسلحة في البلاد، في إطار سياسة “توحيد القرار العسكري” وإنهاء التشكيلات غير النظامية.
تفاصيل الإعلان الرسمي عن حل اللواء الثامن
في تسجيل مصور نُشر الأحد، قال العقيد محمد الحوراني:
“نحن، أفراد وعناصر وضباط ما يُعرف سابقًا باللواء الثامن، نعلن رسميًا حل هذا التشكيل، وتسليم جميع مقدراته العسكرية والبشرية إلى وزارة الدفاع في الجمهورية العربية السورية”.
وأشار إلى أن هذه الخطوة تأتي بدافع “الحرص على الوحدة الوطنية وتعزيز الأمن والاستقرار، والالتزام بسيادة الدولة“.
وجاء الإعلان بعد يومين فقط من اضطرابات أمنية شهدتها مدينة بصرى الشام، المعقل التاريخي للواء، ما دفع بالأجهزة الأمنية السورية للدخول إلى البلدة “لبسط الأمن والاستقرار“، حسبما أفادت وكالة الأنباء الرسمية (سانا).
خلفية اللواء الثامن: من التأسيس إلى التسوية
تأسس اللواء الثامن في الأصل تحت اسم “قوات شباب السنة” عام 2012، وكان من أبرز التشكيلات المسلحة التي ظهرت في الجنوب السوري في بدايات النزاع.
قاد الفصيل أحمد العودة، وهو شخصية عسكرية معروفة بصلاتها الإقليمية وقدرته على المناورة السياسية.
بعد اتفاق التسوية الذي جرى برعاية روسية في عام 2018، تحول الفصيل إلى “اللواء الثامن” وأصبح جزءًا من “الفيلق الخامس” المدعوم من روسيا.
لكنه احتفظ بهيكليته شبه المستقلة، كما احتفظ بمخزون كبير من الأسلحة الثقيلة، ما جعله بمثابة قوة مستقلة رغم انضمامه شكليًا إلى المؤسسة العسكرية السورية.
لماذا قرر أحمد العودة حل اللواء الآن؟
بحسب مصادر أمنية سورية، جاء القرار بعد اتفاق أمني تم التوصل إليه مع وجهاء بصرى الشام، وبموجب هذا الاتفاق:
- تسلّمت وزارة الدفاع السورية كافة المقرات التابعة للواء.
- سُحبت الأسلحة الثقيلة والخفيفة من مدينة بصرى الشام.
- تم تسليم عدد من المطلوبين في أحداث أمنية أخيرة، أبرزها حادثة إطلاق النار على القيادي بلال الدروبي.
كما جاء هذا التطور في إطار توجه استراتيجي للسلطات السورية الجديدة لتفكيك البنى المسلحة غير النظامية ودمجها ضمن مؤسسات الدولة.
السياق السياسي: خطة توحيد المؤسسات العسكرية
خطوة أحمد العودة ليست معزولة، بل تأتي ضمن خطة متكاملة أعلن عنها الرئيس السوري أحمد الشرع، تهدف إلى بسط سيادة الدولة على كامل الأراضي السورية، من خلال:
اتفاق دمج مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، تم توقيعه في مارس 2025 مع القائد مظلوم عبدي، ويقضي بدمج مؤسسات الإدارة الذاتية الكردية ضمن مؤسسات الدولة.
مفاوضات جارية مع قيادات درزية في محافظة السويداء، لدمج الفصائل المحلية ضمن الجيش السوري.
خطوات مماثلة مع فصائل في إدلب وريف حلب تحت رعاية روسية مباشرة.
ماذا بعد حل اللواء الثامن؟
يشير مراقبون إلى أن حل اللواء الثامن قد يكون بداية تحول أكبر في الجنوب السوري، خاصة أن هذه المنطقة كانت تشهد حالة من “الاستقلال العسكري الجزئي” منذ عام 2018.
ويتوقع أن تسهم هذه الخطوة في:
- تحسين الوضع الأمني في درعا وريفها.
- تمهيد الطريق أمام مشاريع تنموية مدنية.
- تعزيز ثقة المجتمع المحلي في الدولة ومؤسساتها الرسمية.
- الحد من التوترات بين الفصائل والجيش السوري.
ردود الفعل المحلية والدولية
تفاوتت ردود الفعل بين من اعتبر الخطوة “مطلبًا شعبيًا طال انتظاره” لإنهاء حالة الانقسام، ومن رأى فيها تنازلاً من فصيل كان يتمتع بهامش من الاستقلال الذاتي.
منظمات دولية تراقب الوضع في سوريا وصفت التطور بـ”المفصلي”، خصوصًا مع اقتراب جهود المصالحة الشاملة التي ترعاها موسكو وطهران في آن واحد.
وفي الختام، فإن حل اللواء الثامن بقيادة أحمد العودة وتسليم سلاحه للدولة السورية يمثل نقطة تحول رئيسية في ملف الجنوب السوري.
ومع استمرار القيادة الجديدة في دمشق بتنفيذ خططها لدمج جميع الفصائل المسلحة تحت راية الجيش السوري، يتضح أن المرحلة القادمة ستشهد إعادة تشكيل شاملة للهياكل الأمنية والعسكرية في البلاد.
ما إذا كانت هذه الخطوات ستقود إلى استقرار دائم وسلام شامل، أم أنها ستكون مقدمة لتحولات جديدة، يبقى السؤال مفتوحًا.