لحقن الدماء: أحمد العودة يسلم السلاح ويعلن حل اللواء الثامن وانضمامه إلى وزارة الدفاع السورية

في خطوة مفاجئة، أعلن “اللواء الثامن” بقيادة أحمد العودة في درعا، جنوب سوريا، حل نفسه وتسليم جميع أسلحته ومعداته لوزارة الدفاع السورية، مما أثار جدلاً واسعاً على منصات التواصل الاجتماعي وأعاد تسليط الضوء على شخصية العودة ومسيرته العسكرية بعد تسليم السلاح وحل اللواء الثامن.​

هذه الخطوة جاءت بعد توترات شهدتها مدينة بصرى الشام بمحافظة درعا، واشتباكات مسلحة بين قوات اللواء الثامن وعناصر من وزارة الدفاع السورية، تصدّر اسم أحمد العودة التريند فورًا، لا سيما بعد تداول تقارير تفيد بانضمامه رسميًا إلى وزارة الدفاع السورية، في خطوة لم تكن متوقعة بالنسبة للكثيرين ممن تابعوا مسيرته ضمن فصائل المعارضة المسلحة سابقًا.

في هذا المقال، نستعرض خلفيات هذه التطورات، ونحلل أبعادها السياسية والعسكرية، ونتعرّف على شخصية أحمد العودة ومسيرته، وعلى تداعيات حل اللواء الثامن وانعكاساته على واقع الجنوب السوري.

حل اللواء الثامن وتسليم السلاح

أعلن العقيد محمد الحوراني، الناطق باسم اللواء الثامن، في بيان مصور، أن جميع أفراد وضباط اللواء قرروا حل التشكيل وتسليم كافة مقدراته العسكرية والبشرية لوزارة الدفاع السورية.

وأشار إلى أن هذا القرار يأتي حرصاً على الوحدة الوطنية وتعزيز الأمن والاستقرار والالتزام بسيادة الدولة، معتبراً الخطوة بداية جديدة لتعزيز مسيرة الوطن تحت مظلة الدولة السورية .​

في بيان رسمي صادر عن قيادة اللواء الثامن، وأكد البيان أن هذه الخطوة جاءت :

“إيمانًا بوحدة الدولة، وحرصًا على بسط السلطة المركزية على كامل الأراضي السورية”.

تم تسليم جميع الأسلحة والعتاد، بما في ذلك الأسلحة الخفيفة والثقيلة، إلى إدارة الأمن العام السوري، وذلك بعد اتفاق شامل جرى برعاية قيادات أمنية في الدولة.

شملت الخطوة أيضًا سحب القوات من معقل اللواء في مدينة بصرى الشام، وتفكيك المقرات ونقاط التفتيش التابعة له.

القرار تضمن أيضًا تسليم المطلوبين في قضية إطلاق النار الأخيرة على القيادي “بلال الدروبي“، والتي كادت أن تفجّر الوضع العسكري من جديد في المنطقة، قبل أن يتم التوصل إلى اتفاق شامل “يحقن دماء السوريين“، بحسب البيان الرسمي.

السياق الأمني والسياسي للقرار

جاء إعلان الحل في ظل تصاعد حاد للتوترات جنوب البلاد، خصوصًا بعد اشتباكات اندلعت في بصرى الشام بين قوات العودة ومجموعات أخرى يُعتقد بانضمامها إلى وزارة الدفاع السورية. تزامنت هذه الأحداث مع تحليق مكثف لطائرات استطلاع إسرائيلية في أجواء المنطقة، ما زاد من الشكوك حول إمكانية وجود تحركات إقليمية أو أجندات دولية على الأرض.

كما أشار نشطاء سوريون إلى أن ما جرى قد لا يكون مجرد تسوية، بل هو “تحول جذري في ميزان القوى”، معتبرين أن عودة أحمد العودة إلى كنف وزارة الدفاع السورية ليست فقط إعادة تموضع، بل ربما جزء من إعادة هيكلة أوسع للمنظومة الأمنية في الجنوب.

من هو أحمد العودة؟

أحمد العودة هو أحد الأسماء البارزة في المشهد العسكري السوري خلال السنوات العشر الأخيرة. ينحدر من مدينة بصرى الشام في محافظة درعا، ودرس الأدب الإنجليزي بجامعة دمشق قبل أن يغادر إلى الإمارات برفقة عائلته.

عاد إلى سوريا في بدايات الثورة ليشارك في التمرد المسلح ضد النظام السوري، وانضم إلى صفوف الجيش السوري الحر. أسس “كتيبة شباب السنة”، التي تحوّلت لاحقًا إلى “اللواء الثامن”، وكان لها نفوذ كبير في جنوب سوريا. خلال سنوات الصراع، فقد العودة ثلاثة من إخوته في المعارك ضد قوات النظام، مما عزز حضوره الرمزي في أوساط المعارضة.

في عام 2018، دخل في تسوية مباشرة مع الدولة السورية برعاية روسية، انضم على إثرها إلى الفيلق الخامس المدعوم من روسيا، مع احتفاظه بهامش من الاستقلالية العسكرية والإدارية في مناطق نفوذه.

هل كان هناك مشروع انقلاب عسكري؟

تحدثت تقارير إعلامية ونشطاء عبر منصات التواصل عن أن الاشتباكات التي اندلعت بين قوات أحمد العودة وقوات الأمن السورية جاءت في إطار محاولة انقلاب عسكري للسيطرة على مدينة بصرى الشام.

وذهب البعض إلى أبعد من ذلك، مشيرين إلى أن العودة كان يخطط لمحاصرة مقرات الأمن ونشر قواعد صاروخية على مداخل المدينة، تمهيدًا لإعلان “منطقة حكم ذاتي”.

إلا أن هذه المعلومات لم تؤكدها أي مصادر رسمية، فيما اعتبر آخرون أنها مجرد إشاعات خرجت من خصوم العودة السياسيين والعسكريين.

ما هي تداعيات حل اللواء الثامن؟

يمثل حل اللواء الثامن خطوة بالغة الأهمية في إعادة رسم خارطة السيطرة جنوب سوريا، حيث:

  • يعزز سلطة الدولة السورية في مناطق كانت تعيش حالة من الاستقلال شبه الكامل عن المركز.
  • ينهي واحدة من أكبر البؤر المسلحة التي بقيت خارج السيطرة التامة لوزارة الدفاع.
  • يفتح المجال أمام تسويات جديدة قد تشمل فصائل أخرى ما تزال خارج الإطار الرسمي.
  • يساهم في إعادة الأمن النسبي إلى مدن وبلدات محافظة درعا التي عانت طويلاً من الاضطرابات والانفلات الأمني.

المستقبل السياسي والعسكري لـ أحمد العودة

لا يزال مستقبل أحمد العودة محل تكهنات واسعة، فهل سيُدمج رسميًا في وزارة الدفاع السورية كقيادي؟ أم سيُكلف بمهام إدارية أو عسكرية في منطقة الجنوب؟ وهل ستستمر علاقته الجيدة مع القيادة الروسية في التأثير على موقعه المستقبلي داخل المنظومة الأمنية؟.

الإجابة على هذه الأسئلة ستعتمد على تطورات الأسابيع المقبلة، وعلى طبيعة الدور الذي يُمنح له من قبل السلطات الرسمية.

وفي الختام، حل اللواء الثامن بقيادة أحمد العودة وتسليم السلاح يمثل تحولًا كبيرًا في مسار الصراع السوري، خاصة في جنوب البلاد. ورغم التباين في التقييمات حول دوافع العودة وأهدافه المستقبلية، إلا أن هذه الخطوة تؤشر على تغيرات جوهرية في استراتيجية الدولة السورية تجاه الجنوب، وعلى بداية فصل جديد من العلاقات بين الأطراف التي كانت متنازعة ذات يوم.

هل ستكون هذه الخطوة بوابة نحو سلام حقيقي في درعا؟ أم مجرد إعادة ترتيب أوراق لما هو قادم؟ الجواب يبقى رهن الأيام المقبلة.

عمر الحسيني

محرر ذو أسلوب سلس ومميز، يساهم في تقديم محتوى يغطي كافة الجوانب بطريقة متوازنة ومهنية عالية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى