هل الشيخ أسامة الرفاعي مفتي سوريا الجديد صوفي؟

في ظل التغيرات المتسارعة التي تشهدها الساحة السورية الدينية والسياسية، عاد اسم الشيخ أسامة عبد الكريم الرفاعي إلى الواجهة، بعد تعيينه مفتيًا عامًا للجمهورية العربية السورية من قبل الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، ويثور سؤال جوهري بين المهتمين بالشأن الديني: هل الشيخ أسامة الرفاعي صوفي وينتمي فعلاً إلى التيار الصوفي؟ وما دلالة ذلك في سياق الثورة السورية والخطاب الإسلامي المعاصر؟.

من هو الشيخ أسامة الرفاعي؟

الشيخ أسامة بن عبد الكريم الرفاعي، من مواليد دمشق عام 1944، هو أحد أبرز علماء الشام المعاصرين، ويمتاز بمنهج سني شافعي تقليدي.

تلقى تعليمه في دمشق، وتخرج في كلية الآداب قسم اللغة العربية بجامعة دمشق عام 1971، وتربّى على يد والده العلامة عبد الكريم الرفاعي، أحد كبار علماء سوريا في القرن العشرين.

بعد تصاعد الحملة الأمنية على الجماعات الإسلامية في عهد حافظ الأسد، خاصة بعد مجازر حماة وحمص في الثمانينيات، اضطر الشيخ أسامة إلى مغادرة سوريا في عام 1981 إلى السعودية، ومن ثم استقر في تركيا بعد اندلاع الثورة السورية في 2011، حيث قاد أنشطة دينية ومعرفية تهدف لإعادة تنظيم العمل الدعوي السوري تحت مرجعية شرعية مستقلة.

الشيخ أسامة الرفاعي صوفي المنهج والتوجه

الشيخ أسامة ينتمي فعليًا إلى التيار الصوفي المعتدل، وتحديدًا إلى جماعة “زيد” الصوفية، التي أسسها والده الشيخ عبد الكريم الرفاعي، والتي نشأت من قلب جامع زيد بن ثابت الأنصاري بدمشق في أربعينيات القرن الماضي.

وهذه الجماعة الصوفية الدمشقية كانت وما تزال تعتمد على أصول المذهب الشافعي وأخلاقيات التصوف السني، مع التركيز على تربية النفوس، تزكية القلب، وصلة العبد بربه بالحب لا بالخوف، وهي مبادئ أساسية في التصوف الحقيقي.

ما سمات التصوف عند الشيخ الرفاعي؟

التزكية قبل السياسة:

خطب الشيخ ودروسه دائمًا ما تبدأ بالذكر والتزكية والتقوى، وتخلو من الغلو أو التكفير. يعتبر أن إصلاح النفس مقدم على إصلاح المجتمع.

خطاب وجداني لا عدائي:

حتى في ذروة الثورة السورية، كان يحث على مقاومة النظام لا بروح الكراهية، بل عبر العودة إلى المبادئ الدينية الكبرى في العدالة والمساواة.

انتقاد التطرف:

عُرف الشيخ أسامة بموقفه الحاد من الجماعات المتطرفة، وعلى رأسها تنظيم “داعش” و”القاعدة”، واعتبر أن “الفكر التكفيري دخيل على المجتمع السوري السني”، واصفًا تلك الجماعات بأنها “مخترقة من مخابرات إيرانية وسورية”.

الشيخ الرفاعي.. بين الصوفية والثورة

الشيخ أسامة ليس مجرد شيخ طريقة صوفية أو داعية تقليدي، بل يمثل نموذجًا متميزًا من العلماء الذين جمعوا بين البعد الروحي والموقف السياسي.

عام 2011، تحوّل مسجد عبد الكريم الرفاعي إلى أحد مراكز الحراك السلمي في دمشق، في ليلة 27 رمضان من ذلك العام، تعرض المسجد لاقتحام من قوات النظام، وأصيب الشيخ في تلك الليلة التي اعتُبرت مفصلية في خروجه النهائي من سوريا.

في تركيا، أعاد إحياء “رابطة علماء الشام”، وترأس “المجلس الإسلامي السوري” الذي يضم علماء ودعاة يمثلون التيار الوسطي المعتدل.

الصوفية ليست نقيضًا للعمل العام

في هذا السياق، يجب التأكيد على أن التصوف في سوريا، كما يمثله الشيخ أسامة، ليس مجرد “انعزال روحي”، بل هو تصوف إصلاحي مجتمعي، يواجه الطغيان، ويربي الأفراد، ويعمل على ترسيخ هوية دينية وسطية في ظل أجواء طائفية ومؤامرات إقليمية.

بل إن التاريخ الإسلامي مليء بالرموز الصوفية الذين واجهوا المحتلين والمستبدين، من أمثال: عبد القادر الجزائري، وعمر المختار، وأحمد الشريف السنوسي، وغيرهم.

لماذا تثير صوفيته الجدل؟

يرى البعض أن الانتماء الصوفي قد يعني ضعفًا في الحسم أو ابتعادًا عن السياسة، لكن تجربة الشيخ أسامة تدحض هذا الزعم، فقد وقف صريحًا ضد الاستبداد، وانتقد الفصائل المسلحة التي انحرفت عن مبادئ الثورة، ودعا إلى وحدة الكلمة، ورفض التدخلات الأجنبية، بل كان له موقف متقدم من “جبهة النصرة” ودعاها إلى إعلان فك ارتباطها بتنظيم القاعدة.

الصوفية عند الرفاعي: ليست طقوسًا بل سلوك

الشيخ أسامة لا يُعرف عنه ممارسات مبتدعة أو انشغال بالمظاهر، بل يرى أن التصوف الحقيقي هو:

• إخلاص النية لله.
• السعي لتهذيب النفس.
• حسن الخلق.
• العدل مع الخصوم.
• ونشر السكينة في المجتمع.

وهي القيم التي بنى عليها خطابه الدعوي لعقود، سواء داخل سوريا أو في المغترب، الشيخ أسامة الرفاعي صوفي في نهجه، معتدل في فكره، ثائر في مواقفه، جامع بين الزهد والحزم، وبين التربية والقيادة.

وإن كان هذا النهج قد تعرض للتهميش أو التشويه لعقود، فإن إعادة تعيينه مفتيًا عامًا لسوريا عام 2025، يشير إلى رغبة حقيقية في إعادة التوازن للخطاب الديني في سوريا، وإحياء المرجعية الشرعية المعتدلة التي تمثل جمهور السنة الشامية.